السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في حديث أنس رضي الله عنه: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قطّ: أفّ، ولا قال لشيء فعلتُهُ: لم فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا؟)
يا للروعة والسموّ! عشر سنين! الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من هو قدراً وسنّاً، وأنس رضي الله عنه في خدمته وصغر سنّه، ومع ذلك! لا تعقيب على فعل أو ترك!
هل نفعلُ ذلك عشرة أيام بل عشر ساعات؟!
كثير من المشاكل تنشأ في أسَرنا أو محالّ عملنا أو علاقاتنا بالمعارف والأصدقاء من: لمَ فعلتَ ولمَ تركتَ؟! ولو فعلتَ ولو لم تفعل!
الزوج مع زوجته أو العكس! الزميل مع زميله في العمل أو الدراسة! الرئيس مع مرءوسه في العمل وأحياناً العكس! الوالدان مع الأبناء وأحياناً العكس! وعلى ذلك قس ...
ونحن في شهر الصوم نتذكر صوماً من نوع آخر هو الصوم عن الكلام كما كان مع زكريا عليه السلام ومريم عليها السلام:
(قال آيتك ألّا تكلّم الناس ثلاثة أيّام إلا رمزاً)
(فقولي إنّي نذرت للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم إنسيّاً)
إن لم نصم عن مطلق الكلام فجدير بنا أن نصوم عن كثير من الكلام. حين نصمت أو نقلل الكلام نجد أثر ذلك في نفوسنا وقلوبنا سكينةً وسلاماً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)
وكان أعرابي يجالس الشّعبيّ يطيل الصمت، فقال له يوماً: لمَ لا تتكلم؟ فقال: أسمعُ لأعلمَ وأسكتُ فأسلم.
وقال أبو العتاهية:
لا خير في حشو الكلا م إذا اهتديت إلى عيونه
والصمت أجمل بالفتى من منطق في غير حينه
وقال لقمان لابنه: يا بنيّ إن غلبت على الكلام فلا تُغلب على الصمت، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول. إنّي ندمت على الكلام مراراً ولم أندم على الصمت مرة واحدة.
وقال إبراهيم بن المهدي في هذا المعنى فأحسن:
إن كان يعجبك السكوتُ فإنّه قد كان يعجب قبلك الأخيارا
ولئن ندمتَ على سكوتك مرة فلقد ندمتَ على الكلام مرارا
إن السكوتَ سلامةٌ ولربما زرع الكلامُ عداوةً وضرارا
كان بكر بن عبد الله المزني يُقلُّ الكلام، فقيل له في ذلك، فقال: لساني سبُعٌ إن تركته أكلني!
ليكن كل منا أميناً مع نفسه: كم من مرة يقول أحدنا: ليتني سكَتُّ!
دمتم في أمان الله.
(ملحوظة: نحن هنا لا نتكلم في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ولا في "النصيحة" فذانك بابان آخران لهما أحكامهما وآدابهما!)